الشغور الرئاسي في لبنان و”فخ” الإنتفاخ الطائفي!

كتب فارس خشان في “النهار”
عندما يخرج رئيس الجمهوريّة ميشال عون من القصر الجمهوري، قبيل حلول ظهر اليوم لن يصيب مسيحيّي لبنان أيّ مكروه، فلا هم، خلال ولايته، كانوا بأفضل أحوالهم، ولا هم مع انتهائها، سيصبحون في أسوئِها.
في واقع الحال، هم جزء أساسي من النسيج اللبناني الذي يعاني من أخطر كارثة أصابت دولة وشعبًا، على مدى مائة وخمسين سنة.
ومع انتقال القصر الجمهوري، مجدّدًا الى عهدة “الجنرال شغور”، لن تنتهي كلمة المسيحيّين في القرار، فالحكومة، وإن كان يرأسها مسلم سنّي، إلّا أنّها موزّعة بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين الذين لا تعلو قيمة أحدهم قيمة الآخر، عندما يُستدعون الى توقيع المراسيم، بصفتهم جميعهم يملؤون الفراغ الرئاسي.
والأهم من كلّ هذا، فإنّ الشغور في موقع رئيس الجمهوريّة لم يحدث بناء على مؤامرة حبكها المسلمون السنّة حتى ينالوا من الموقع المسيحي الأوّل في النظام اللبناني، بل هو نِتاج اتّفاق صاغه “التيّار الوطنيّ الحر” المسيحي مع “حزب الله” الشيعي، من أجل أن يتمكّنا معًا من فرض شخصيّة تلائم تطلّعاتهما المشتركة التي كانت قد نجحت، في خريف العام 2016، في فرض عون رئيسًا للجمهوريّة.
لماذا هذه المقاربة الطائفية، في هذا التوقيت بالذات؟
ببساطة، لأنّ الأدبيّات الطائفية، بدءًا من اليوم سوف تستعيد مجدها وتفرض نفسها على اللبنانيّين.
وقد قدّم عون ومعه رئيس “التيّار الوطنيّ الحر” جبران باسيل ما يكفي من أدلّة على أنّ رهانهما الأساس سوف يكون على تحريض المسيحيّين على المسلمين، بصفتهم يغتصبون ما للمسيحيّين من سلطة في النظام اللبناني.
وقد دخل “حزب الله” على الخط، من خلال نسب هذا “الخلل” إلى المملكة العربيّة السعوديّة التي كانت تتلقى، أمس تهديدات واضحة ومباشرة من قائد “الحرس الثوري الإيراني” حسين سلامي، متّهمًا إيّاها بالضلوع في “مؤامرة” ضد بلاده التي تعصف بها ثورة قوامها النساء والطلّاب، منذ قتل الشابة مهسا أميني، في السادس من أيلول/ سبتمبر الأخير، بسبب “عدم التقيّد بقواعد الحجاب الشرعيّة”.
ولن يتوانى “حزب الله”، وفق ما بيّنته التجربة، عن “أقلمة” التنافس السلطوي في لبنان، بشكل يتكامل مع “مذهبته” من قبل “التيّار الوطنيّ الحر”.
وثمّة خشية كبيرة من أن يقود هذا النهج إلى خلل يُعرّض الاستقرار الأمني الهش إلى اضطرابات دمويّة، بدفع من أجهزة سبق أن تعمّدت “تنويم” الكثير من “الخلايا”، من أجل استعمالها، في التوقيت المناسب.
وإذا كان “جَمَل” عون بنيّة، وهي المحافظة على مكتسباته في السلطة، من خلال تمهيد الطريق أمام رئيس جديد للجمهوريّة يناسبه، فإنّ “جمّال” حزب الله قد يكون بـ “نيّة أخرى”، إذ يأخذ الأمور الى مستوى إعادة النظر بالنظام اللبناني، بعد دخوله بموجب اتفاق الترسيم البحري مع إسرائيل في هدنة طويلة، من أجل “دسترة” المكتسبات التي لا تزال، حتى تاريخه، رهنًا بسلاحه فقط لا غير.
وعليه، فإنّ المسؤوليّة التي تقع على عاتق اللبنانيّين الذين يخشون نتائج هذا التناغم بين عون من جهة و”حزب الله” من جهة أخرى، تفترض عدم وقوعهم في فخّ التفاعل مع “الأجندة” التي يفرضها هذا الثنائي على البلاد، بدءًا بما سيحمله من دلالات “تحريضيّة” المهرجان الحزبي الذي ينظّمه “التيّار الوطني الحر”، اليوم لمواكبة انتقال عون من القصر الجمهوري في بعبدا الى قصره الحديث في الرابية.
إنّ المنطق الوحيد الذي يفرض نفسه على حساب منطق التحريض الطائفي، يتجاوز السجالات الدستوريّة العقيمة والحسابات السياسيّة الضيّقة، إذ إنّ من يربط موقع المسيحيّين في النظام بوجود رئيس للجمهوريّة في بعبدا، ليس أمامه سوى المسارعة الى اعتماد حلّ واحد: مغادرة فرقة “الزجل” السياسيّة و”التمترس” في مجلس النوّاب، كما يفعل الكرادلة في الفاتكان عند شغور كرسي البابويّة، حتى تلك اللحظة التي ينطلق فيها الدخّان الأبيض من المدخنة.
لقد ربح المسيحيّون في النظام كما سائر اللبنانيّين، يوم حرّرت “ثورة 14 آذار” العابرة للطوائف لبنان من سطوة النظام السوري، وعاد وخسر المسيحيّون ومعهم سائر اللبنانيّين الكثير، عندما هيمن “حزب الله” على القرار اللبناني وأدخل “بلاد الأرز” عنوة في “محور الممانعة” وصراعاته وحروبه.
ويستطيع عون، في الحملة الإعلاميّة التي يتوسّلها وصهره جبران باسيل، أن يزعم أنّه حقّق “إنجازات تاريخيّة” لكنّ اللبنانيّين يعرفون، بالملموس، أنّهم لم يمرّوا، عبر تاريخهم الحديث، بأسوأ من الكارثة التي تلقي بأعبائها التي لا تحتمل على كواهلهم، ولا يعود ذلك الى “مؤامرة” صاغتها “المنظومة السياسيّة” بل إلى نوعيّة المعادلة الخطرة التي صاغها عون مع “حزب الله”، حامل “الأجندة” الإيرانيّة: أعطني السلطة، تأخذ الجمهوريّة.
إنّ الفرحين بانتهاء ولاية عون الذين تركوا تنظيم الاحتفالات للمفجوعين بنهاية ولايته، ليس أمامهم لتثمير فرحهم هذا، سوى القفز فوق التحريض الطائفي الذي سيبني نفسه على الشغور الرئاسي، من جهة وعلى زعم “عدم شرعيّة” حكومة تصريف الأعمال، من جهة أخرى، و”التمترس” وراء مقولة واحدة لا غير: هيّا بنا يا غيارى الدين إلى المجلس النيابي، لنحرّر رئيس الجمهوريّة الجديد من “صندوقة الاقتراع”.