في لبنان: فتيات يعلنّ عن بيع ثيابهن وأغراضهن المستعملة.. لماذا؟

تمتلئ خزائن السيدات بالثياب التي تمر عليها سنوات من دون أن تلبس. جل ما يحصل أنها تتنقل بين الفصول والرفوف. وأحيانا تتبدل مقاسات الأجسام زيادة ونقصانا، وتصبح بعض الألبسة غير ملائمة.
البعض يعاني من مشكلة في التخلي عما لا يلزم. وآخرون يهبون بعد كل فصل ما يتراكم من دون فائدة من ثياب وأحذية وأغراض أخرى.
في دول أوروبا أسواق لتبادل وبيع الأغراض، وأيام مخصصة للتخلص من الأثاث الذي لم يعد مرغوبا، إذ يترك في مكان ما، وتمر سيارات مجهزة خاصة بالبلديات تجمعه وترسله في العادة للتدوير. ولا يخجل أحد من المارة أن يأخذ ما يعجبه منه ببساطة.
ودرج في لبنان أن يهب الناس أغراضهم إما لجمعيات خيرية أو لأناس أقل حظا على الصعيد المادي. وتقول كارين إنها لطالما كانت تذهب محملة بأكياس مليئة بالأغراض من ثياب وألعاب وأحذية وإكسسوارات وبطانيات وأدوات مطبخ وأدوية وكتب وسواها، تجمعها من منزلها وتطلب من جيرانها وأصدقائها المشاركة، وتأخذها إلى إحدى الجمعيات التي تعنى بالأيتام.
وتوضح أنها هذا العام استطاعت التبرع فقط بثياب ابنها التي أصبحت صغيرة ولا حاجة له بها، أما بقية الأغراض فقد “حسبتُ 100 حساب أنني قد لا أستطيع شراء المزيد من الثياب والأغراض، وقد يستمر الأمر لسنوات بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور، فاحتفظت بها خوفا من الحاجة. فلقد توقف عملي منذ عام، ولم أشترِ حتى ولو قطعة واحدة”.
وضع كارين يشبه وضع الكثير من اللبنانيين. وقد أنشئت عدة صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي لتبادل الأغراض أو لطلب المساعدة للحصول عليها. وتعد صفحة (Liban troc) من الصفحات الأكثر نشاطا وتداولا.
أبيع ثيابي
من جهة أخرى، نشأت صفحات على فيسبوك وإنستغرام لصبايا أعلنّ عن بيع ثيابهن، وثياب أخرى مستعملة، وأغراض مختلفة عبر تصويرها وتصوير علاماتها التجارية مع ذكر حالتها وقياسها.
تشرح لارا نويهض للجزيرة أنها فكّرت وأختها ببيع الأغراض المستعملة، والسبب انتشار فيروس “كوفيد-19” وغلاء الدولار الذي لامس 9 آلاف ليرة لبنانية، بعد أن كان لسنوات طويلة ثابتا على سعر 1500 ليرة.
وتقول لارا “لدينا الكثير من الأغراض التي لم نعد بحاجة لها”. وكانت لارا تعمل في مطعم اضطرت لتركه أثناء مرورها بحالة اكتئاب، وجاءت كورونا والوضع الاقتصادي المتدهور بعدها.
اعلان
هذه الأسباب دفعت باتجاه إنشاء صفحة (thrift.less)، حيث عرضت شقيقتها ثيابا وعرضت لارا أحذية لم تعد تحتاجها.
وتضيف أنه رغم الأسعار المنخفضة جدا بين 10 إلى 20 ألف ليرة لبنانية، فإن قلائل فقط يشترين، مضيفة أن الوضع الاقتصادي سيئ.
ولا تعتبر لارا أنها تحرج من شراء ثياب مستعملة على الإطلاق، فالمهم بالنسبة لها أن تكون بحالة جيدة.
ومما عرضته لارا للبيع أريكة (كنبة) للجلوس ولوحات ورسومات وإكسسوارات للديكور، وأغراض أخرى كانت هدايا لها ولم تعد تريدها. كما أنها تعرض بعض الأغراض التي يريد الناس بيعها عبر صفحتها.
وتبين للجزيرة نت أن ما تبيعه بالكاد يكفي لأغراضها ومصاريفها الشخصية وفاتورة هاتفها. خاصة في ظل هذا الوضع الاقتصادي الصعب، حيث الاكتفاء بالأساسيات والأغراض الضرورية مع تبدل كبير في العادات الشرائية لديها، إذ غدا التوفير قدر المستطاع سيد الموقف.
بيع الثياب المستعملة أصبح رائجا في لبنان بوجود عدد من الصفحات التي اعتمدت الأمر ذاته (بيكسابي)
غلاء الأغراض
وتقول سارة حديب إن فكرتها بدأت بسبب الإقفال الذي سببه انتشار كورونا وأزمة الدولار، وحتى المحلات العادية التي كانت بمتناول قدرة الناس الشرائية أصبحت غالية جدا.
ولم يكن مفهوم شراء الثياب المستخدمة مقبولا في لبنان بحسب سارة، “لكننا أصبحنا مجبرين، فأصبحت أشتري (أونلاين) من محلات “الثريفت شوب” (محلات التخفضيات)، وأحيانا أوفق بقطع من الصعب إيجادها في المحلات الأخرى”.
وبدأت سارة الأمر بعملية تشبه التبادل أولا، بعد أن أصبح سعر السترة بـ600 ألف ليرة لبنانية، والحذاء 400 ألف ليرة لبنانية حيث من الصعب الشراء بهذه الأسعار. وألقت سارة وصديقاتها نظرة على ثيابهن التي لم يلبسنها أو لبسنها لمرات قليلة وهي بحالة جيدة.
جمعت سارة الثياب وأنشأت صفحة على إنستغرام لبيعها. وأصبح الأمر رائجا في لبنان بوجود عدد من الصفحات التي اعتمدت الأمر نفسه.
ولأن الثياب التي جمعتها تم بيع معظمها، بدأت سارة تبحث عن مصادر أخرى فذهبت إلى محلات “البالة” (الألبسة المستعملة التي تأتي من الخارج)، فتختار بعضها وتشتريه لتعيد بيعه على صفحتها.
كما أنها تشتري من “البالة” بعض القطع لاستعمالها الشخصي، بعد أن وجدت أن الأمر جيد، بحيث تشتري ألبسة بعلامات تجارية معروفة وبأسعار مقبولة.
وتقول إن التسوق عبر الإنترنت (أونلاين) هو الأسلم والأسهل بوجود شركات توزيع، وتعتبرها عملية تلائم زماننا بأوضاعه.
وكانت سارة كل فصل تنظم خزانتها وتتبرع بما لا تريده ولا تزال تتبرع ببعض القطع وتبيع بعضها. وتقول إن من نتبرع لهم يهتمون بالقطع الأساسية والعملية، في حين أن القطع الأخرى التي لا تندرج في الأساسيات تعرض للبيع في الصفحة.
وتؤكد سارة أنه لا بد في النهاية من الانتباه إلى أن ارتداء الثياب المستعملة هو نوع من التدوير المساعد للبيئة. ويعتبر كثيرون -بمعزل عن الأوضاع الاقتصادية وفكرة التوفير- أن إعادة لبس الثياب أسلوب حياة أكثر إيجابية وحيوية ووعيا.
وللاستغناء عن الثياب غالبا ما نقطع حبال تعلقنا بها، وتصبح من الماضي بالنسبة لنا، وهي بالتالي من دون شك ستكون مفيدة لغيرنا. ومثلها الأثاث وأغراض المنزل الأخرى. ولا ضير ألبتة أن تتنقل من مالك إلى آخر.