featuredاقتصاد

المودعون سيتحملون 63 مليار …كيف سهلت المصارف انهيار الدولة؟ وكيف شحّت العملة؟

كتبت ناريمان شلالا في الجمهورية

63 مليار دولار سيتحمّلها المودعون اللبنانيون بحسب مسودّة «برنامج الاصلاح الحكومي». فما الذي أدّى إلى شحّ العملة الأجنبية من الأسواق المحلّية؟ وكيف سهّلت المصارف اللبنانية عمليّة انهيار الدولة؟ ولماذا سيدفع المودع الثمن؟

بناء على ما تقدّم، توجّهت جريدة «الجمهورية» بأسئلة الى الباحث في التمويل والمصارف الدكتور محمد فاعور – جامعة كلية دبلن، وكانت هذه الأجوبة:

• إنّ أسباب الانهيار المالي الحاصل اليوم في لبنان باتت معروفة، ما بين سرقة الطبقة السياسية لأجزاء مالية ‏من ميزانية وزاراتها والعمليات الماليّة التي نفّذها مصرف لبنان من أجل الدفاع عن تثبيت سعر صرف ‏الليرة ولتغطية فجوة ميزان المدفوعات على مدى سنين وأمور أخرى، برأيك هل بالغت الدولة في الاستدانة من المصارف ولأيّ مدى سهّلت المصارف طريق الغرق والإنهيار للدولة إذ أقرضتها ٧٠ % من موجوداتها؟

بالغَت الدولة اللبنانية بالاستدانة من أجل تمويل الهدر والعجز في ميزانيتها منذ التسعينات وحتّى اليوم، وقد وصلنا اليوم إلى مرحلة بلغ فيها الدين العام اللبناني نسبة الـ ١٧٠ % من الدخل القومي وهو دين غير مُستدام، وهذا ما أدرج لبنان في المرتبة الثالثة عالميّاً من حيث المديونية. بالإضافة إلى ذلك، تنفق الدولة اللبنانية ما يقارب نسبة الـ ٥٠ % من مدخولها لخدمة الدين العام وهي نسبة ضخمة. أمّا مصرف لبنان والمصارف فتتحمّل مسؤولية كبيرة لأنّها استمرّت بإقراض الدولة اللبنانية رغم معرفتها أنّ الدولة تدرّ العجز في ميزانيّتها من خلال إنفاقها الذي فاق إمكانياتها.

• كيف تشرح ما وصلنا إليه اليوم؟ كيف تبخّرت العملة الأجنبية من الأسواق اللبنانية خلال أيّام قليلة؟ وهل ضاعت أموال المودعين فعليّاً؟

إنّ مشكلة الشحّ بالدولار ليست مستجدّة، بل تعود أقلّه الى لعام ٢٠١٢ عند تراجع ضَخ الدولارات من قبل المغتربين على المصارف كودائع، وتبلورت هذه المشكلة بشكل أكبر في العام ٢٠١٦، عندما بدأ مصرف لبنان بالقيام بعمليّات وهندسات مالية لاجتذاب أموال بالعملة الصعبة إلى احتياطه.

بالنسبة لأموال المودعين، تصرّفت المصارف بشكل غير مسؤول عبر توظيف ٧٠ % من أصولها كودائع لدى مصرف لبنان أو كديون للدولة اللبنانية. وبالتالي، مع قرار الدولة بتعليق دفع وتسديد ديونها ونسبة كبيرة منها هي للمصارف ومن أموال المودعين، ومع استخدام جزء كبير من ودائع مصرف لبنان لتمويل العجز التجاري وعمليات الاستيراد، نستخلص أنّ شحّ العملة الصعبة هو نتيجة هدر المصارف لأموال المودعين بتمويل دولة «مكسورة» من جهة وتمويل مصرف لبنان العجز في الميزان التجاري من جهة ثانية.

• ما هو رأيك في «برنامج الإصلاح الحكومي» الذي يجري البحث بتفاصيله قبل إقراره، والذي يقوم على توزيع الخسائر المتراكمة والتي بلغت قيمتها الـ ٨٣ مليار دولار؟ وهل الأمر يعتبر بمثابة «الخصخصة لتمويل الخسائر» والتي سيتحمّلها مصرف لبنان ‏والمصارف ودافعو الضرائب؟

على الرغم من تمكّن مسودّة البرنامج من تشخيص المشكلة وتحديد حجم الخسائر الضخم والذي بلغ ٨٣ مليار دولار، للأسف لم يتم تناول موضوع توزيع الخسائر بشكل كاف وعادل، فقد باشروا بمَحو رأسمال المصارف وبعدها بقي مبلغ الـ ٦٣ مليار دولار ليتحمّله المودعون. كان من المفترض أن تغوص المسودّة في تفاصيل كيفية توزيع الخسائر بعد مَحو رأسمال المصارف. وهذا أمر منطقي كون المصارف في خط الدفاع الأوّل وهي من اتّخذ القرار وبكامل إرادتها بتوظيف أموال المودعين بشكل غير مسؤول لدى الدولة اللبنانية ومصرف لبنان.

• عمليّاً، ما هي انعكاسات «برنامج الاصلاح الحكومي» على المواطنين ‏والمودعين في المصارف؟ وهل من إمكانية لتنفيذ خطة الحكومة من دون الارتهان لصندوق النقد الدولي او البنك الدولي لا سيّما أنّ التباين داخل الحكومة حول هذا الموضوع لا زال قائماً؟

برأيي يجب ألّا نحكم على مسودّة برنامج الاصلاح الحكومي لأنّها أوّلية، ولا يزال هناك مجال كبير للأخذ والرد، إنّ المسودّة في شكلها الحالي غير كافية والمطلوب المزيد من التفاصيل والتوضيحات لبنود عديدة.

بالنسبة لمساعدة صندوق النقد الدولي، للأسف نحن وصلنا الى مرحلة لا مهرب فيها من صندوق النقد الدولي لأنّه الوحيد القادر على إمدادنا بحاجتنا الملحّة للسيولة بالدولار الأميركي، لا سيما بعدما خسرنا ثقة الدول المانحة التي كانت تقوم بمساعدة لبنان في السابق وذلك نتيجة فشل الدولة اللبنانية في تطبيق الاصلاحات التي كانت مطلوبة من الدول المانحة.

• هناك عدد من العناوين الإصلاحية، ومن بينها ‏إصلاح النظام الضريبي، وتحويل الاقتصاد ‏اللبناني من ريعي إلى منتج، بالإضافة إلى التدقيق في حسابات المصرف ‏المركزي وإعادة هيكلته، وإعادة هيكلة النظام المصرفي والدين العام وغيرها… هل تأخّر لبنان في إجراء سلسلة إصلاحات ؟ وهل البدء بتطبيق قرارات مؤتمر سيدر سببه سياسي بحت أم اقتصادي ومالي؟

السبب هو سياسي بحت، ويعود لعدم رغبة الطبقة السياسية في تطبيق أيّة إصلاحات جدّية في لبنان.

• هل برأيك ضاعت على لبنان فرصته الذهبية أو ‏ما زال مؤتمر سيدر قائماً؟ وهل مؤتمر سيدر يشكّل شبكة أمان للخروج من أزمتنا الرّاهنة؟ ومن ناحية أخرى، وبعد أزمة كورونا العالمية وانعكاساتها على الاقتصاد العالمي، هل لا تزال الدول الأجنبية جاهزة أساساً لمساعدة لبنان أم أنّها ستعيد النظر؟

لم يفقد لبنان فرصته، غير أنّ الأمر يعتمد على جدّية الدولة اللبنانية في تطبيق إصلاحات جذرية على المستوى الاقتصادي والبنيوي وبشكل سريع وتحت إشراف هيئة يثق بها المجتمع الدولي، وفي هذه الحالة هذه الهيئة هي صندوق النقد الدولي.

إنّ أزمة كورونا ستُلهي الدول الأجنبية عن لبنان وسيكون عندها أولويّات مختلفة، ولكن هذا لا يعني بأنّ الباب قد أقفل في وجه لبنان بل ازداد صعوبة.

زر الذهاب إلى الأعلى