Jadidouna the News

الضربة القاضية للبنان: الخبز مقابل الفتنة

كتب عبدالله ملاعب في MTV:

في بلد الصراعات الطائفية اللا-متناهية تصح عبارة “الفتنة نائمة، لعن الله من أيقظها”. فتاريخ لبنان المفعم بالإقتتال الطائفي والمناطقي والسياسي يؤكد أن الفتنة كالمارد المخيف، تطلّ علينا ببطشها عند تناطح الأمم، لتعاود النوم في لحظات التسويات الإقليمية حيث يوضع السلاح المتفلت جانبا وترتفع شعارات رنانة تَدّعي العيش المشترك والانصهار الوطني.

أما اليوم، فتطل علينا الفتنة من كل حدب وصوب إذ أصبحت الإشتباكات أمرا واقعا، تمرّ علينا مرور الكرام لولا مرارة خطف الأرواح. فمن يوقظ الفتنة؟ وكيف تتم هذه العملية في ظل إنشغال المواطن في تأمين قوت يومه؟

يستغل أصحاب النفوذ المالي ذات الأجندات السياسية العوز في هذا البلد الذي ارتفعت فيه نسبة الفقراء من 28 في المئة إلى 55 في المئة بعام واحد فقط، وفق الإسكوا. فظهرت أخيراً معادلة جديدة قائمة على “الخبز مقابل الفتنة”.

إنخفاض القدرة الشرائية لدى المواطنين، الى أدنى مستوياتها، والإرتفاع الفادح لمعدلات البطالة لا سيما لدى الشباب، تُرجم على الأرض بازدياد الجرائم والسرقات. وقد تجلّى ذلك بعد إنفجار المرفأ حيث طاولت السرقات الشوارع والأحياء المدمّرة التي غادرها أصحابها، جاعلين منها لقمة سائغة وصالحة للسرقة. فقد أوقفت قوى الأمن الداخلي حتى آخر آب 111 شخصاً مشتبهاً بقيامهم بعمليات سرقة في المناطق المنكوبة.

إنطلاقا من هذا الواقع المرير، وانسجاماً مع خطورة المرحلة القادمة حيث سيزداد الوجع والجوع مع قدوم فصل الشتاء ومستلزماته، تستثمر جهات مالية – سياسية عدّة وجع اللبنانيين فتوزّع المال على بعض المجموعات مقابل إشعال الشارع وإيصال رسائل سياسية تخدم أصحاب النفوذ الذين لا مانع لديهم بأن تسفك الدماء مقابل الوصول الى رغباتهم المربوطة باللعبة الإقليمية.

وهنا يبرز دور “البائع السياسي” الذي حدّثتنا عنه مصادر مطّلعة على هذا الملف. فلكل منطقة مفتاح تتواصل معه الجهات الراغبة بإشعال الشارع، وهذا المفتاح المعروف بـ”البائع السياسي” يجمع الشباب العاطل عن العمل ويغريهم بالمكاسب المالية التي يحصدونها مقابل حمل السلاح والنزول به الى الشارع. وتترافق عملية الإغراء هذه مع قضية طائفية بغطاء وطني، يروّج لها “البائع السياسي” الذي وللمفارقة دائمًا مستعدّ للتعاون مع جميع السياسيين ورجال الأعمال الذين يطرقون بابه بحثًا عن مدخلٍ لتحقيق مكاسبهم ومكاسب الدول التي ترعاهم.

الكارثة تكمن بأنّ هذه الجهات “أكبر من أجهزة الدولة” التي باتت اليوم غير قادرة على رصد تحرّكاتها مما يُفسّر إزدياد الفلتان الأمني في الآونة الأخيرة. أما المصيبة الحقيقية فهي لدى الشباب اللبناني، الذي بات “مرتزقة” بنظر الدول الإقليمية ودمى الداخل من حيتانِ مالٍ وسياسية. فمعادلة الفتنة مقابل الخبز هي الطعنة الأخيرة في خاصرة شبابٍ يعيش أيامًا صعابًا حوّلته الى عجوزٍ بعمر لبنان الكبير الذي في مئويته، أذَلَّنا أشدّ إذلالاً.

زر الذهاب إلى الأعلى