حتى متى الإستهتار بحقوق مزارعي التفاح؟ مناشدة من المحامي زياد فرام للحكومة اللبنانيّة..

المحامي زياد فرام
خاص موقع جَديدُنا الإخباري
ناشد المحامي زياد قزحيا فرام الحكومة اللبنانية دعم مزارعي التفاح إسوةً ببعض القطاعات الإنتاجيّة ومزارعي القمح والشعير، ودفع مستحقات التعويض عن العامين المنصرمَين، وهم الذين يواجهون أسوأ أزمة على الإطلاق، من تكلفة الإنتاج الباهظة وتحمّلهم وزر احتكار سوق الأسمدة والمبيدات وأسعار الصرف الظرفيّة، كما وسوء تصريف الإنتاج في ظل غياب مقلق لوزارتي الزراعة والإقتصاد في مجالي الدعم والرقابة..
لماذا يدفع التفاح اللبناني ثمن خطيئة آدم!؟
وعود تلوَ الوعود، إستهتارٌ أصبح متعمداً في اقتصادٍ كسيح يغرق في الريعيّة والإستهلاك بدل تحفيز الإنتاج وليس أي إنتاج !! بل إنتاج تشكّل حصّة مساهمته في الناتج الزراعي الوطني الإجمالي( مجموع السِّلع والخدمات ذات المنشأ المحلّي المباعة خلال فترة معينة)، حوالي 8.4 بالمئة.. إنه إنتاج التفاح اللبناني..
لقد تدنّى تصنيف لبنان الإنتاجي من المرتبة 44 عالمياً في إنتاج وزراعة التفاح في العام 2012 إلى المرتبة 47 في 2017 – 2018 وما دونها في العام المنصرم والإنذار بتدني التصنيف مقلق في حين تعتبر زراعة التفاح من أهمّ الزراعات التي يعتمد عليها أبناء القرى الجبليّة اللبنانيّة. لقد توالى عليها المزارعون منذ الثلاثينيّات وبدأت تتكثف لتصل إلى 160 ألف طن موسمياً أي ما يعادل حوالي 8 ملايين صندوق سنوياً..إلى أن سجل إنتاج التفاح تدنٍ مقلق ناهز الــ 123 ألف طن في العام 2017 وما زال ينحدر وقد يصل هذا العام لما دون المئة ألف طن لاعتماده فقط على المبادرة الفرديّة في ظل اعتماد زراعات بديلة له، فلا يدخل جيوب المزارعين إلا بنسبة 10 بالمئة كحد أقصى والباقي يستحوزه التجّار بعد حسم تكلفة الفرصة البديلة opportunity cost للأرض ووقت المزارع وحسم قيمة المدخلات من سماد وتشحيل وتنقية ومكافحة الحشرات وحراسة وكلفة اليد العاملة الزراعيّة، فتبقى القيمة المضافة للمزارع 10 بالمئة كأقصى تعديل من سعر السوق النهائي لمبيع كيلو التفاح. والمرجح أن تتدنى هذه القيمة إلى ما دون الـ 4 بالمئة لغياب الدعم وتدني قيمة سعر الصرف وما أثر سلباً على غلاء الأسمدة وتكاليف الإنتاج..
بالمقابل تحصل مدخلات الإنتاج على 15إلى 20 بالمئة، لتتخطى الأربعين، أمّا 70 بالمئة من قيمة الكيلو تذهب إلى مراكز الحفظ والتبريد، تجار الجملة وتجار سوق الحسبة، وكبار باعة المفرق وأخيراً صغار الباعة والدكاكين.
إنَّ حماية المُزارع المتضرر من الأزمة التي تمر بها البلاد، خاصة و أنّ 15 بالمئة في الأصل من اليد العاملة تعمل في المجال الزراعي ككلّ وقد زادت هذه النسبة بعد تفشي نسب البطالة التي فاقت حدوداً كارثيّة فلجأت للقطاع الزراعي..
فدعم المزارع اليوم أولويّة حتميّة يجب أن تتبعها الحكومة، التي أخذت على عاتقها دعم الإنتاج، بخاصّة وأنَّ مقترحات الإجراءات الإصلاحية الأوّليَّة لمواجهة الأزمة التي رشحت عن إجتماع بعبدا في 2/أيلول/2019 وتحت عنوان تفعيل السياسة الإقتصاديَّة، نصّت صراحة على ضرورة تعزيز قطاعات الإنتاج وإقرار الأولويّات الواجب المباشرة باعتمادها في الزراعة والصناعة عبر خطّة ” ماكنزي”، بما يحقق أهداف لبنان الإستثمارية.
اليوم يواجه مزارعو التفاح مشكلات حقيقيّة كبيرة في كل المناطق، ومنذ أعوام، بما يؤدي لتهجير المزارع من أرضه وضرب إمكانات هائلة تتيحها الأرياف اللبنانية.
في تشرين الأول من العام 2016 تم اتخاذ قرار بالتعويض على مزارعي التفاح اتخذته الحكومة آنذاك و باشرت بتنفيذه خلال الأسبوع الأول من أيار 2017، ولكن بشكل مخالف لما تم الاتفاق عليه بين المعنيين من جهة، ومخالف لمبدأ التعويض من جهة أخرى.. و بعد تحركات ميدانية واعتصام لمزارعي التفاح للمطالبة بإقرار تعويضات عن الخسائر التي لحقت بالقطاع جراء أزمة تصريف النتاج، أقرت الحكومة حينها بدفع تعويضات لمزارعي التفاح بقيمة 5000 ليرة للبنانية عن كل صندوق تفاح.
ورغم أن حجم التعويضات الذي أقر لم يكن ليعوّض فعلاً على المزارع، إلا أنه كان أفضل من لا شيء ، غير أن الأزمة وقعت حين تم تجزئة التعويضات وتقليصها.
فالتعويضات تم تحديدها مسبقاً بـ40 مليار ليرة على اعتبار أن لبنان ينتج نحو 8 ملايين صندوق تفّاح، لكنَّ المسح الذي أجراه الجيش اللبناني أظهر أن حجم الإنتاج يتجاوز 10 ملايين و600 ألف صندوق تفاح، عندها اقترحت الهيئة العليا للإغاثة، وهي الموكلة توزيع التعويضات على المزارعين، فتم خفض قيمة التعويضات بنسبة 25%، أي من 5000 ليرة للصندوق إلى 3750 ليرة عن كل صندوق تفاح.. غير أن وزارة المالية لم تحول المبلغ كاملاً (أي 40 مليار ليرة) للهيئة العليا للإغاثة لتوزيعه ، بل حوَّلت نصف المبلغ أي نحو 1850 ليرة عن صندوق التفاح.غير أن الواقع أفضى لتوزيع قيم لم تتخطى الـ 1000 ليرة. لا بل 750 ليرة للصندوق الواحد !!
في العام 2019 ناشد مزارعو التفاح الدولة عبر نواب الأمة لدفع تعويضات جديدة فانتلقت فرق المسح وتزودت بالمستندات غير أن مجلس الوزراء بدل تقرير التعويض لمزارعي التفاح تفاجأ هؤلاء في 2019/9/17 بأن اتخذ مجلس الوزراء قراراً بالتعويض على مزارعي القمح والشعير عبر سلسلة تعويضات حددت سعر 125 الف ليرة لكل دنم قمح و 115 الف ليرة لكل دنم شعير، حيث تتولى وزارة الاقتصاد تسديد المستحقات إلى المزارعين، بناء لجداول مرفوعة سابقا، بخاصة وأن الدولة أجرت مسحا فضائيا للمناطق المزروعة وحددتها بدقة عالية..
أما ملف تعويضات التفاح للمزارعين، فإن ملحق تعويض للعام 2018 كما و تعويض عام 2019 تم تجاهلها بشكل مطبق، والمفاجئ أن معالي وزير المال وافق في 2020/6/2 على دفع تعويضات لمزارعي القمح والشعير لموسم عامي 2018 – 2019 بقيمة 11 مليار ل.ل. دون أن يتم التعويض على مزارعي التفاح بتاتاً وهم من يتكبدون التكاليف الباهظة وبخاصة مع انخفاض قيمة النقد الوطني واحتساب سعر الأسمدة المستوردة بالدولار دون أي حماية من وزارتي الزراعة والإقتصاد اللتان تركتا مستقبل المزارع في مهب الإحتكار الجنوني ما ينذر بخسائر فادحة في قطاع وجب دعمه بمختلف السبل لما يشكله من نسبة مرتفعة في الناتج الزراعي الوطني الإجمالي.
المحامي زياد فرام – موقع جديدنا الاخباري