اقتصاد

طبِّقوا الشفافية المطلقة وحافظوا على السرّية المصرفيّة

كتب فادي عبود في الجمهورية

يسود اعتقاد في لبنان بأنّ الحفاظ على السرية المصرفية هو حماية للفاسدين والسارقين وحماية قانونية للتهرّب من المحاسبة، ويطالبون بإلغائها كونها اصبحت ضرراً على لبنان.

انّ قانون السرية المصرفية وضع في عام 1956 بناء على اقتراح تقدّم به ريمون إدّه الذي كان عميد الكتلة الوطنية، وقد ساهم القانون بازدهار القطاع المصرفي وهو ميزة اقتصادية اساسية ستبقى تساهم بمنح تفاضلية للقطاع المصرفي اللبناني حتى لو تغيرت الظروف منذ إقراره حتى اليوم. وبالتالي، انّ إلغاء السرية المصرفية هو إلغاء ميزة اساسية في قطاعنا المصرفي اللبناني وهي ميزة سيستفيد منها لبنان بعدما يستعيد عافيته الاقتصادية مستقبلاً، وأعتقد انّ أعداء لبنان يروّجون لإلغائها لمنع استعادة القطاع المصرفي لحيويته الماضية.

انّ قانون السرية المصرفية ليس المسؤول عن الفساد في لبنان، وإلغاؤه اليوم لن يحقق نتيجة في عملية مكافحة الفساد لأنّ كل الاموال المنهوبة تم تحويلها من لبنان والجميع يعرف ذلك وسمعنا بأموال أصبحت في فرنسا واميركا وبلجيكا واللوكسمبورع وغيرها، وهذا حال الاموال المنهوبة التي يهرّبها الناهب من البلاد التي نهبها منها، ولم «يعلق» سوى المودعين الاوادم من المغتربين والمقيمين الذين جمعوا ودائعهم بطريقة قانونية، وهؤلاء لم يستفيدوا من تعليمات او وساطات لإخراج أموالهم كما فعل المسؤولون الفعليون عن الازمة.

ونُكرّر: ليست السرية المصرفية المسؤولة عن الفساد، بل غياب الشفافية عن كل معاملات الدولة وصرفها، فلماذا سألاحق حساباً مصرفياً لأحد من المسؤولين قبل ان اعرف كيف يتم التصرّف بالمال العام بالدرجة الاولى؟ وقبل ان أعرف قيمة الأموال التي تدخل ويتم صرفها وكيف، وأعرف المعاشات والتعويضات والمصاريف، والصناديق والهيئات، كيف تتصرف بأموالها، وكل قرش اين يذهب. من المؤكد انّ هذه الرقابة اجدى وافعل من رفع سرية مصرفية ستحرم لبنان من ميزة اساسية ساهمت بازدهار قطاعه المصرفي، خاصة انّ هناك تأكيداً شاملاً ان المال العام لا يخضع للسرية المصرفية. هذا ما أكدته مطالعة هيئة التشريع والاستشارات ونقابة المحامين حيث تم التأكيد انّ السرية المصرفية تنطبق فقط على الحسابات الخاصة وليس على حسابات الدولة. وحتى لو لم يكن ذلك، فعلينا تغيير كل القوانين للتأكيد انّ المال العام لا يخضع لأية سرية مصرفية.

اما بالنسبة لجرائم تبييض الاموال وغيرها، فنستطيع إقرار قوانين اساسية والتعاون مع الجهات الدولية في هذا الشأن من دون ان نُلغي سريتنا المصرفية، وهذا ما فعلته سويسرا حيث أصدرت في عام 1997 قانوناً فدرالياً لمكافحة غسل الأموال، كما منح القضاء سلطة رفع السرية المصرفية في حال الاشتباه او التحقيق بجرائم الفساد.
المطلوب اليوم وقبل اي شيء آخر، إقرار وتطبيق قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة على كل ما له علاقة مباشرة او غير مباشرة بالمال العام، وحسابات الدولة ومداخيلها. وكل مسؤول يعترض ولا يسعى لذلك فهو يملك نية التغطية على الفساد، وكل مرشح لا يتعهد بإقراره ومتابعة تنفيذه ليس جدياً في مكافحة الفساد. انّ مؤشر الآدمية اليوم يجب ان يكون قانون الشفافية.

مقالات ذات صلة
زر الذهاب إلى الأعلى