اخبار لبنان - Lebanon News

ساترك قصر بعبدا :إلاَّ … إذا

كتب الوزير السابق جوزف الهاشم في الجمهورية

«… إذا وصلنا إلى نهاية الولاية سأترك قصر بعبدا «إلاّ إذا» تعذّر انتخاب خلَـفٍ لي، فلن أسلّم الحكم إلى الفراغ »(1).

«… سأغادر قصر بعبدا عند انتهاء ولايتي: «إلاّ إذا»، قـرّر مجلس النواب بقائي فسأبقى»(2).

هذه، الـ«إلاّ إذا» تحتاج إلى تفسير لغوي من علماء اللسان وعلماء الكلام والعرّافين والضاربين في الرمل، لمعرفة معناها ومقاصدها وخلفيّة أبعادها.

في القراءة البديهية، يفهمها غير الملميّن بالألغاز، أنّها تبطّن أمَلاً ضمنياً، ورغبةً مضْمَرة في «البقـاء أو الإبقـاء»، وأنّ الأمر مرهونٌ بما تخبِّئـه الأيام من مفاجآت.

إذا افترضنا حصول الفراغ المنتظر، أوْ تجاسرَ المجلس النيابي على إعلان رغبته في «الإبقاء» على رئاسة الرئيس، فقد كنا نتوقّع أن يأتي جواب الرئيس حاسماً قاطعاً جازماً ، عملاً بأحكام الدستور، بلْ رهبـةً من مواجهة أهوال البلاد الصاخبة، وهـو يعلم أنّ مصائب لبنان المرهقة لا تتلاءم مع شيخوخة العمر، «إلاّ إذا» تعذّر انتخاب النائب جبران باسيل رئيساً، فقد يصبح «بقـاء» الرئيس عـون في القصر رئاسةً للإثنين معـاً، فالحاكم واحد.

ثـمّ، في أيِّ قصر يريد الرئيس أنْ يبقى رئيساً قويّـاً…؟

ad

في أيِّ وطـنٍ، أيِّ دولةٍ، أيّ جمهورية، أيِّ حكمٍ أيّ شعب..؟

وقد كفى الله المؤمنين شـرَّ القتال وشـرَّ الخراب، وشـرَّ العذاب.

رئيس لبنان اليوم، أيّها الناس، لبنان الذي لم يعـد لبنان، يحتاج إلى نـوعٍ آخـر من الرؤساء، إلى منقـذٍ، لا إلى صيّـاد مناصب، هو الرئيس الذي يحدّد مواصفاته الفيلسوف الفارابي: بحيث، «يجب أنْ يتمتَّـع بخصالٍ عقليةٍ وسياسية وأخلاقية وأدبية وجسمية»، بالإذن من الذين يطرحون مواصفات الرئيس القـوي بشعبِّـيته التمثيلية، لا بتمثيله العقلي.

لا… ليس الرئيس القـوي هو الذي يحشد جمهوراً معلَّباً يرفـع الأيدي هتّافاً يحيـا الزعيم، ويُستحضَر مستنفراً للتصادم.

هذا الزعيم الذي يحيـا، وفي ظـلّ ما فيه نحيـا، من إنقسام موتـور وتنافس مسعور على المناصب والنفوذ، يقابله رئيسُ حـزبٍ آخـر وزعيـمٌ آخـر، يحشدُ في المقابل جمهوره المستنفر للمواجهة.

مثلما، أنّ الحكومات فشلت لأنها لم تتألف من مستقلّين وعقـلاء وحكماء، فأنّ أيَّ رئيسٍ للجمهورية سيفشل، إنْ لـمْ يكـنْ مستقلاً يتحلّى بالفطنة واليقظة والنزاهة والحكمة، وإلاّ فقد يصبح القصر الجمهوري متراساً يتبادل الرمايات مع سائر القوى السياسية والقصور، وتتساقط الشظايا الحارقة على رؤوس الشعب.

الرئيس الذي يستقوي بجمهوره لا بجهـور الشعب، لا يتورّع عن تسخير الرئاسة لاسترضاء جمهوره الخاص الذي هو سـرّ قـوّتـه، ويتورّط في استغلال مؤسسات الدولة لتعزيز مصالحه الذاتية وأغراضه ونزعاته، وأهـواء أهـل البيت وصبيان البلاط.

الزعماء الأقوياء نعرفهم، ويعرّف عنهم تاريخهم، ولا يخدعنَّنـا أحدٌ منهم، بأنَّـه الإمام على بـن أبي طالب أو بولس الرسول.

نحن لسنا مع الرئيس ميشال عون في مواصفات الرئيس القوي «إلاّ إذا»… كـرّر ما قالـهُ في أيار 1989 يـوم كان رئيساً للحكومة، «إنّ لبنان لا يحتاج إلى رئيس، وأيّ ريس منتخب في ظـلّ الإحتلال يعتبرُ عميلاً..».

وقُـلْ: على الرئاسة السلام، وعلى «إلاّ وإذا».

-1 في مقابلةٍ لجريدة الأخبار أجراها الصحافي نقولا ناصيف مع الرئيس عـون في: 19/11/2021.
-2 في مقابلة أجرتها قناة الجزيرة مع الرئيس عـون خلال زيارته دولة قطـر في: 29/11/2021.

زر الذهاب إلى الأعلى